في الوقت الحاضر، تعتبر التنمية المستدامة من المفاهيم التي تنال كثيراً من الاهتمام سواء من الناحية البيئية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
وقد دخل مصطلح الاستدامة في جميع العلوم والمجالات. فمن الناحية المحاسبية، تحول اهتمام المحاسبة من مفهوم الملكية الذي يتبلور في تعظيم مصالح الملاك باعتبارها المسؤولية الأولى للإدارة إلى مفهوم الوحدة المحاسبية الذي يعتبر الملاك أحد أصحاب المصالح في الشركة، وبذلك أصبح تركيز المحاسبة (الإدارة) على تحقيق التوازن بين مصالح الملاك ومصالح المجموعات الأخرى. ولذا أصبح لزاما على الملاك والإدارة القبول بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية سواء المفروضة بشكل قانوني أو أدبي. ولا بد للشركات أن تظهر جوانب المسؤولية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية ضمن تقاريرها المالية السنوية.
ويبين (White (2005 أنه حتى الآن تعد التقارير المالية المتطلب القانوني للمنظمات في جميع أنحاء العالم، وتعبر المحاسبة عن آثار استراتيجيات وممارسات ومخرجات ونتائج المنظمات إضافة إلى قياس النتائج غير المالية لأصحاب المصالح التي تعرف باسم الإبلاغ عن مسؤولية الشركة أو الإبلاغ عن الاستدامة. أما أبو زر (2011) فقد قال أنه تم تأسيس مؤشرات داو جونز والتي تحتوي على مؤشرات الاستدامة عام (1999) من أجل اتخاذ قرارات أفضل، ويشير هذا التطور في إنشاء المؤشرات إلى أن الضغوط من أجل الإبلاغ عن الأداء والاستدامة مستمرة. بينما مطر والسويطي (2012) فقد ذكرا أن التقرير الأول لمنظمة الأمم المتحدة حول الاستدامة تضمن تعريف محدد للتنمية المستدامة وكان صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث عرفها بأنها “التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون إهمال احتياجات الأجيال القادمة” وعرف بدوي والبلتاجي (2013) محاسبة الاستدامة على أنها “نظام للمعلومات يختص بوظيفتي قياس الأداء البيئي والاجتماعي والاقتصادي للشركة والتقرير عن نتائج هذا القياس بما يكفل تقييم مساهمات في تحقيق التنمية المستدامة”.
طالع ايضا :تاريخ المكتبات الالكترونية
يتضح مما سبق أن اهتمام المنظمات الدولية وخاصة المنظمات التابعة للأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وبعض الدول بالمجتمع والبيئة يتزايد يوم بعد يوم، فهم يتحركون من مؤتمر إلى مؤتمر ومن ورشة عمل إلى ورشة عمل محاولين تطوير اتفاقيات ومعاهدات بين الدول والمجتمعات للحفاظ وحماية البيئة والإنسان، ووضع معايير لممارسات المنظمات والشركات المقبولة وإلزامهم بها. وتعتبر التقارير المالية أحدى الأدوات الرقابية على سلوك هذه المنظمات والشركات وتعكس مدى التزامهم بالمعايير المتفق عليها، وتساعد الشركات والهيئات الرقابية على اتخاذ القرارات. وفي الأردن يتضح أن تضمين عناصر التنمية المستدامة بشكل واضح ضمن التقارير المالية بدأ منذ عام 2010. حيث أن بعض المؤسسات كالبنك العربي والبنك الأردني الكويتي ومجموعة نقل بدأت تأخذ بعين الاعتبار هذه العناصر عند تقديمها لتقاريرها المالية. حيث قام البنك العربي في عام (2010) بإصدار أول تقرير سنوي للاستدامة كملخص للأداء وأنشطة البنك في المجالات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية ليكون بذلك أول بنك في الأردن يصدر تقرير ضمن مبادئ التقارير العالمية (GRI) (تقرير الاستدامة للبنك العربي، 2011). ونشرت مجموعة نقل تقريرها السنوي (2010) المتعلق بالاستدامة والذي بين جهودها في مجال تبني الأفكار والإجراءات التي تتماشى مع مفاهيم التنمية المستدامة كجزء من إستراتيجيتها وهي كذلك عضو في “الاتفاق العالمي للأمم المتحدة” (أبو زر، 2011).
وبناء على ذلك تأتي هذه الدراسة للبحث في مدى تطبيق (تضمين) عناصر التنمية المستدامة ضمن التقارير المالية السنوية ومدى مساهمتها في اتخاذ القرارات في الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية المسجلة في بورصة عمان (سوق عمان المالي). وكذلك معرفة المعوقات والمشاكل ذات العلاقة في تطبيق هذه العناصر. ومدى مساهمة الإبلاغ عن هذه العناصر في اتخاذ القرارات.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق عدة أهداف من أهمها: التعرف على مدى تطبيق (تضمين) عناصر محاسبة الاستدامة في الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية المسجلة في سوق عمان المالي، والتعرف على المشاكل والمعوقات التي تواجه الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية في تطبيق (تضمين) عناصر التنمية المستدامة. كما تهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على مدى الاستفادة من تضمين هذه العناصر في اتخاذ القرارات. كما تهدف هذه الدراسة إلى تزويد الشركات وأصحاب العلاقة والقرار بتوصيات حول أهمية إظهار عناصر التنمية المستدامة ضمن التقارير المالية.
أهمية الدراسة
بما أن الشركات الصناعية تعتمد على الموارد الطبيعية في إنتاجها، فهي تستهلك الكثير من هذه الموارد من خلال ما تقوم به من أعمال يومية، ولأن الموارد محدودة وتتميز بالندرة فإن استهلاكها قد يؤثر على الأجيال الحالية والقادمة مثل قطع الغابات والتصحر، وكذلك فإن لهذه الشركات مخرجات من النفايات والغازات التي قد تؤثر على البيئة والمجتمع، مما يضر بمصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء، لذلك أصبح لزاماً على الشركات الصناعية الاهتمام بمسؤولياتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وبناءً على ما تقدم فإن هذه الدراسة تحمل أهمية بالغة لأن التنمية المستدامة أصبحت عاملاً مهمًا في العالم خاصة لدى الشركات التي يطلب منها المساهمة في الإيفاء بالمسؤوليات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. بالإضافة إلى أن الدراسة تحمل أهمية لأنها تساهم في الأدبيات ذات العلاقة، وتمكن المعنيين وأصحاب القرار والحكومات من الوقوف والتفكير مليا حول مفهوم التنمية المستدامة وتشجيع وإلزام الشركات بالرضوخ للمعايير الدولية والمحلية.
مشكلة الدراسة
كثير من الشركات لا تحتوي تقاريرها السنوية على مساهمات هذه الشركات بعناصر التنمية المستدامة ولا تظهر مؤشرات التنمية المستدامة في هذه التقارير. لذا تتركز مشكلة هذه الدراسة في معرفة وقياس مدى تضمين الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية لعناصر التنمية المستدامة والممثلة بالعناصر البيئية والاجتماعية والاقتصادية في تقاريرها المالية، كما تسعى هذه الدراسة لمعرفة المشاكل والمعوقات أمام تضمين هذه العناصر في التقارير، وأخيرا، معرفة هل المعلومات المتضمنة في التقارير المالية حول هذه العناصر تساعد في اتخاذ القرارات. وبذلك يمكن تلخيص مشكلة الدراسة بالأسئلة التالية:
السؤال الأول: هل تطبق (تتضمن) التقارير المالية لشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية المسجلة في بورصة عمان عناصر التنمية المستدامة (العناصر البيئية، العناصر الاجتماعية، العناصر الاقتصادية)؟ وقد انبثق عن هذا السؤال الاسئلة الفرعية الاتية:
السؤال الفرعي الاول: هل تطبق (تضمن) الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية العناصر البيئية في التقارير المالية؟
السؤال الفرعي الثاني: هل تطبق (تضمن) الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية العناصر الاجتماعية في التقارير المالية؟
السؤال الفرعي الثالث: هل تطبق (تضمن) الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية العناصر الاقتصادية في التقارير المالية؟
السؤال الثاني: هل تعي الشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية ما هي المشاكل والمعوقات التي تواجه تطبيق عناصر التنمية المستدامة؟
السؤال الثالث: هل المعلومات المتضمنة لعناصر التنمية المستدامة في التقارير المالية السنوية للشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية تساعد في اتخاذ القرارات؟
الإطـار النظـري
عرفت مفوضية الأمم المتحدة للبيئة والتنمية عام (1987): “التنمية المستدامة(Sustainable Development) هي التنمية التي تفي باحتياجات الوقت الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة” أي حسن استغلال الموارد المتاحة والاستفادة منها (WCED, 1987). وعرفها حمد (2001) على أنها العلاقة الوثيقة بين متطلبات التنمية وأوضاع البيئة والتي تتطلب البحث عن أفضل السبل لضمان استمرار عمليات التنمية وتطورها من ناحية واستمرار فاعلية وحيوية النظم البيئية وكفاءتها من ناحية أخرى. أما أبو زنط (2005) فقد عرف الاستدامة على أنها مفهوم يتناول بالدراسة والتحليل العلاقة بين أنواع وخصائص مكونات المدينة أو الإقليم أو الكرة الأرضية وبين إدارة هذه المكونات. بينما الصفار (2006) وضح أن قضايا العناية بالبيئة والكلف والإيرادات والمنافع المترتبة عنها أصبحت تتصدر مكانة بارزة وبالغة الأهمية بسبب علاقتها الوثيقة برفاهية الانسان وبمستوى معيشته وتقدمه، مما أدى إلى زيادة الحاجة لتوفير البيانات المعرفية الملائمة عن البيئة الى لإدارة الشركات وإلى أفراد المجتمع للمحافظة على البيئة الخضراء وتقييم أداء الشركات. وقال (Levin (2006 أن بعض المؤلفين عرفوا التنمية المستدامة من الجوانب المادية فقط كالأتي ضرورة استخدام الموارد الطبيعية المتجددة بطريقة لا تؤدي إلى فنائها أو تدهورها، أو تؤدي إلى تناقص جدواها “المتجددة” بالنسبة للأجيال المقبلة. وذكر أبو زر (2011) من أجل أن تصبح الشركات متكاملة في الأداء، فعليها الأخذ بعين الاعتبار القضايا الحالية والمتعلقة بالبيئة والمواضيع الاجتماعية. وأضاف مطر والسويطي (2012) أن محاسبة الاستدامة تتناغم مع نظرية المنشأة، التي تقوم على أساس أن المشروع الاقتصادي هو تنظيم اجتماعي له دور إنساني عليه أن يلعبه، ومسؤوليات اجتماعية ينبغي أن يتحملها تجاه جميع فئات المجتمع، من مساهمين وموظفين ودائنين وعملاء (زبائن) وجهات حكومية ونقابية مختلفة. وأخيرا، عرف بدوي والبلتاجي (2013) محاسبة الاستدامة “هي نظام للمعلومات يختص بوظيفتي قياس الأداء البيئي والاجتماعي والاقتصادي للشركة والتقرير عن نتائج هذا القياس بما يكفل تقييم إسهاماتها في تحقيق التنمية المستدامة”.
الإبلاغ المالي والتنمية المستدامة في الشركات الصناعية:
وفقاً ل(Buhr, 2002) و(2009Ureman and Rinaldi, ) لقد سبق المجمع البريطاني للمحاسبين القانونيين الآخرين حيث أصدر عدة نشرات حول تقرير الاستدامة، ومجالات الإبلاغ عن المعلومات التي يعرضها، ولقد أخذت بعض الشركات الأوروبية نشر هذا التقرير بصفة طوعية قبل أن يتخذ فيما بعد صفة الإلزام. وقال (Gray (2010 تعددت التسميات التي تطلق على تقارير التنمية المستدامة منها: تقرير الاستدامة (Sustainability Report)، تقرير مسؤولية الشركة(Corporate Responsibility Report)، تقرير المسؤولية الاجتماعية (Corporate Social Report)، تقرير الجمهور والمجتمع (Social and Community Report). وذكر أبو زر (2011) إن مصطلح الإبلاغ عن الاستدامة (Sustainability Report) يشير إلى كيفية تعامل الشركات مع حقائق مالية وغير مالية هامة مثل الأمور المتعلقة بالمواضيع البيئية والاجتماعية والاقتصادية والمخاطر، والفرص التي يمكن أن تؤثر على الأداء المستقبلي للشركات، وعلى دخلها وقيمتها. بينما مطر والسويطي (2012) ذكرا أن التسمية الشهيرة التي أطلقت على تقرير الاستدامة هي التسمية ذات الثلاثة أبعاد (Triple Bottom Line Reporting) التي استخدمها Elkington (1997) ويشمل التقرير معلومات عن أداء المنشأة في ثلاث مجالات رئيسية: اقتصادية، واجتماعية، وبيئية ويشكل مجموعها صافي القيمة المضافة للمجتمعTotal Net Value Added.
نماذج التقارير عن التنمية المستدامة للشركة:
يتم توصيل المعلومات عن التنمية المستدامة من خلال نماذج معينة في صورة مجموعة من التقارير الملحقة بالقوائم المالية المنشورة والتي تعرض النتائج التي انتهي إليها استخدام مدخل القياس متعدد الأبعاد من خلال استخدام تقارير للإبلاغ عن التنمية المستدامة متعددة الأبعاد أيضاً، وهذه النماذج هي: (بدوي والبلتاجي، 2013):
أولاً: قائمة الربح المعدل بأعباء الوفاء بالمسؤولية عن التنمية المستدامة: تهدف إلى إظهار أثر مساهمات الشركة في مجال التنمية المستدامة على صافي الربح، فتوضح أثر المساهمات البيئية والاجتماعية والاقتصادية المفروضة بقرارات سيادية على هذا الربح، وكذلك أثر المساهمات البيئية والاجتماعية الاختيارية.
ثانياً: قائمة المركز المالي المعدل للوفاء بالمسؤولية عن التنمية المستدامة: تهدف إلى توفير معلومات عن الموارد المتاحة للاستخدام في مجالات الأداء البيئي والاجتماعي والاقتصادي وما يقابلها من حقوق للغير.
ثالثاً: القائمة المالية لتأثيرات عدم الوفاء بالمسؤولية عن التنمية المستدامة: تهدف إلى توفير معلومات تعكس نتائج القياس النقدي للعمليات البيئية والاجتماعية المؤدية الى انحرافات غير ملائمة في الأداء البيئي والاجتماعي.
رابعاً: تقرير الأداء البيئي والاجتماعي متعدد الأبعاد: يهدف إلى توفير معلومات تعكس نتائج قياس التأثيرات البيئية والاجتماعية الكلية المؤدية لاستدامة التنمية.
وأخيرا، ذكر (Hopwood et. al. (2010 أن التقارير الثلاثية الأبعاد(Triple Bottom Line Report) تشمل معلومات عن أداء الشركة في ثلاثة مجالات رئيسية: اقتصادية، اجتماعية، وبيئية ويشكل مجموعها صافي القيمة المضافة للمجتمع.
العناصر المكونة للتنمية المستدامة:
أولاً: المسؤولية البيئية: يتضمن هذا المجال الأنشطة التي تؤدي الى تخفيف أو منع التدهور البيئي، ويمتد نطاق هذا المجال لأكثر من المنطقة الجغرافية للشركة، وترتبط أنشطتها بامتثال تلك الشركة للمتطلبات القانونية لتجنب مسببات تلوث الأرض والهواء والمياه والضوضاء، ووضع برامج للتخلص من المخلفات الصلبة وإتباع أكثر الطرق الفنية كفاءة لتقليل كميات المخلفات، ومساهمة الشركة في المحافظة على المصادر النادرة للمواد الخام والطاقة ومحاولة اكتشاف مصادر جديدة لها (بدوي والبلتاجي، 2013). وقد سبق وأن عرف درويش (2005) الإبلاغ البيئي بأنه مجموعة بنود المعلومات التي تتعلق بأداء وأنشطة الإدارة البيئية للشركة، والآثار المالية المترتبة عليها في الماضي والحاضر والمستقبل، ويعتبر الإبلاغ المحاسبي عن الأداء البيئي هو الأسلوب أو الأداة التي من خلالها تستطيع الوحدة المحاسبية إعلام كل الأطراف المستفيدة بأنشطتها المختلفة ذات الآثار البيئية، وانعكاسات ذلك على البيانات المالية، على أن يتحقق ذلك عن طريق القوائم المالية أو التقارير الملحقة بها. وذكر أبو زيد (2007) أنه كانت هناك ضرورة ملحه لتطوير معيار الإبلاغ في الفكر المحاسبي ليشمل الإبلاغ البيئي في شكل مرفقات إيضاحية بالقوائم والتقارير التقليدية أو في شكل قوائم وتقارير مستقلة؛ مما يؤدي إلى زيادة كفاءة تشغيل المعلومات بواسطة متخذي القرارات، ومن ثم ترشيد قراراتهم المتعلقة بتقييم المسؤولية الاقتصادية والبيئية للشركة. بينما النابلسي (2011) عرف الإبلاغ المحاسبي بشكل عام بأنه إظهار المعلومات المالية سواءً الكمية أو الوصفية في القوائم المالية، وفي الهوامش والجداول والملاحظات المكملة مما يجعل من القوائم المالية غير مضللة وملائمة للمستخدمين وذلك لغرض تمكينهم من اتخاذ قرارات رشيدة.
ثانيا: المسؤولية الاجتماعية: ذكر الحسني (2003) أن الإبلاغ المحاسبي يعتبر إجابات دقيقة واضحة ومحددة تساهم في تطوير العلاقة بين الجهات المختلفة وبالتالي فإن المصداقية تكون أكبر في حالة وجود تقارير ملحقة في ميزانيات الشركة تفصح عن أدائها المالي لجهات محددة وكيفية استفادة هذه الجهات من هذا الاستثمار الاجتماعي. ويرى الغالبي ومنهل (2004) أن المسؤولية الاجتماعية تضفي تحسيناً على مناخ العمل السائد في الشركة وتؤدي إلى إشاعة التعاون والترابط بين مختلف الأطراف، كذلك فإنها تمثل تجاوباً فعالاً مع التغيرات الحاصلة في حاجات المجتمع وانتقالها إلى الحاجات الاجتماعية وتحقيق جانب من ذاتية الفرد والمجموعة. بينما يرى الغالبي والعامري (2005) أن ضغوط المجتمع أدت إلى أن تتبنى الشركات مزيداً من الالتزام للطلب الاجتماعي سواء كان مفروضاً بحكم القانون أو بالمبادرات التي تقوم بها لإرضاء المجتمع، وهكذا ظهرت المسؤولية الاجتماعية كتفاعل لعدة عوامل منها: زيادة ضغوط المجتمع نتيجة لزيادة الوعي والإدراك لذاته وللمجتمع ورغبة الشركات الكبرى في تطوير نوعية الحياة والارتقاء بها، والإسهام في تعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية، ورضا المجتمع وقبوله لأهداف الشركة ووسائل عملها. وأضاف الغالبي والعامري (2005) أن محاسبة المسؤولية الاجتماعية تقوم على الافتراضات التالية: أن الشركة لها التزامات تجاه المجتمع الذي تعمل فيه، إن الموارد المتاحة للمجتمع نادرة ومحددة، لا توجد موارد مجانية يمكن استغلالها دون أضرار، من حق المجتمع على الشركة الاطلاع على ما تقوم به من أعمال. بينما عرف لطفي (2006) محاسبة المسؤولية الاجتماعية: هي مجموعة الأنشطة التي تختص بقياس وتحليل الأداء الاجتماعي للمنظمات وتوصيل تلك المعلومات للفئات والطوائف المختصة وذلك بغرض مساعدتهم في اتخاذ القرارات وتقييم الأداء الاجتماعي لتلك المنظمات.
ثالثا: المسؤولية الاقتصادية: ذكر خلف وفليح (2006) أن التنمية الاقتصادية تتطلب توفر عدة مستلزمات من أبرزها ما يأتي: تجميع رأس المال، الموارد الطبيعية: تلعب دوراً أساسياً وحاسماً في عملية التنمية، الموارد البشرية: إن الموارد البشرية تلعب دوراً هاماً في عملية التنمية الاقتصادية. وأضاف خلف وفليح (2006) إن الصناعة تحتل مركزاً متميزاً في إطار العمل من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية وتلعب بذلك دوراً رئيسياً هاماً في إطار هذه العملية، ولذلك يشار الى أن التصنيع يعد حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية. وعرف القريشي (2007) التنمية الاقتصادية على أنها تمثل ذلك التطور البنياني أو التغير البنياني للمجتمع بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتنظيمية من أجل توفير الحياة الكريمة لجميع أفراد المجتمع، ويشار هنا إلى أن التنمية الاقتصادية تتضمن العديد من التغيرات سواء في جانب العرض أو في جانب الطلب.
المعيار العالمي لتقارير الاستدامة Global Standard
استناداً إلى الاتفاق العالمي للأمم المتحدة صدرت مبادرة الإبلاغ العالمي(Global Reporting Initiative’s Guidelines (GRI-3) في أكتوبر (2006)، حيث تم توقيع (2900) منظمة من حوالي (100) دولة، وتم اعتمادها من قبل العديد من المنظمات الكبيرة والرائدة في العالم (أبوزر، 2011). وأضاف مطر والسويطي (2012) أن المبادرة العالمية لتقارير الاستدامة (GRI) وضعت عام (2006) سلسلة من الارشادات التي يمكن اعتبارها بمثابة المعايير المهنية المقبولة عالمياً في مجال تطبيق محاسبة الاستدامة وتقاريرها. وعرفت المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (2011) معايير الإبلاغ المالي الدولية أنها مجموعة من المعايير والتفسيرات المحاسبية الصادرة عن مجلس معايير المحاسبة الدولية، وتهدف هذه المعايير إلى توفير معلومات ذات جودة عالية وتتمتع بالشفافية وقابلة للمقارنة مع البيانات المالية والتقارير المالية الأخرى لمساعدة المستثمرين والمشاركين الآخرين في أسواق المال العالمية والمستخدمين الآخرين للمعلومات المالية في اتخاذ القرارات الاقتصادية. وأخيرا، قال بدوي والبلتاجي (2013) لضمان فعالية محتوى التقرير في الكشف عن الجوانب الهامة للأداء، ينبغي تطوير إطار من المعايير يتم الاسترشاد به عند اختيار ما ينطوي عليه من معلومات، ويمكن أن يتضمن الإطار الذي يتماشى مع مرحلة التطور الحالية للمحاسبة عن المسؤولية البيئية والاجتماعية أربعة معايير هي: الملائمة (إشباع حاجة مستخدميها)، البعد عن التحيز (أن تكون المعلومات حيادية ونزيهة دون تحريف)، القابلية للفهم (أن تتوافق المعلومات مع القدرات الاستيعابية لمستخدميها)، المرونة (خدمة احتياجات المستفيدين منه في الظروف المتغيرة).
الدراسات السابقة
ونظرا للالتزام بالمساحة المعطاة في الأبحاث المنشورة فأن البحث سيستعرض جزء من الدراسات السابقة وبشكل مختصر. قاما الساقي ونور (2005) بإلقاء الضوء على محاسبة المسؤولية الاجتماعية والوقوف عند أهم مشاكلها، والتعرف على معايير تقييم الأداء الاجتماعي القابلة للقياس الكمي والتي تصلح لقياس موقف شركات الأعمال، ومحاولة وضع نموذج لتقييم كفاءة الأداء الاجتماعي في شركة صناعية كدراسة ميدانية. وتوصلت الدراسة الى أن كافة عناصر تكاليف الأداء الاجتماعية للشركة موضوع الدراسة يمكن تجميعها وقياسها والإفصاح عنها من خلال نموذج مقترح، كما أظهرت الدراسة إمكانية الحكم على مدى كفاءة الأداء الاجتماعي للشركة تجاه العاملين والعملاء وأفراد المجتمع المحيط من خلال معدل حجم الإنفاق لكل وحدة من الوحدات لقياس كل محور من المحاور المقترحة. بينما دراسة العاني (2005) هدفت إلى بيان دور المعلومات المحاسبية في قياس وتقييم مستوى الأداء الاجتماعي للمؤسسات الصناعية للكشف عن مدى وفاء تلك المؤسسات بمسؤولياتها الاجتماعية في البحرين، وقد تم اختيار عينة البحث الممثلة للقطاع الصناعي في مملكة البحرين. وتوصلت الدراسة إلى أن موضوع تكاليف الأداء الاجتماعي للمؤسسات الصناعية قد تبوأ موقعاً ذات أهمية كبيرة ضمن إطار الظروف الاقتصادية الراهنة للعصر الحديث، لما يتضمنه من آفاق جديدة للتصدي لأضرار المجتمع المتولدة عن النشاطات الاقتصادية لمنظمات الأعمال والذي بدوره يؤدي إلى تعظيم المنافع الاجتماعية للمجتمع، بالإضافة الى تعزيز الوضع المالي للشركة. وكذلك دراسة الصفار (2006) ركزت على مفاهيم أساسية مثل مفهوم وتعريف محاسبة البيئة المستدامة وطبيعة المعلومات والاستخدامات والمنافع لمحاسبة البيئية إضافة إلى التحديات التي تواجه محاسبة البيئة المستدامة. وخلصت الدراسة إلى أن هناك تحديات تواجه محاسبة البيئة المستدامة مثل اختلاف الثقافات، واختفاء المعلومات المتعلقة بكلف البيئة ضمن حسابات الكلف غير المباشرة، وبالتالي صعوبة تتبع التكاليف والتدفق واستخدام المواد، وصعوبة الحصول على معلومات “كلفوية” عن البيئة من السجلات المحاسبية، وأخيرا عدم اكتمال المعلومات لاتخاذ القرارات الاستثمارية.
وهدفت دراسة السيد (2007) إلى وضع إطار مقترح لقياس التكاليف البيئية وبيان أهمية قياس التكاليف البيئية لتحسين جودة المعلومات المحاسبية في المملكة العربية السعودية. وأمام الاهتمام المتزايد من قبل الهيئات الحكومية وأفراد المجتمع لتحمل المسؤولية تجاه البيئة أتضح أن المنافع الناتجة من مزاولة المنشأة لنشاطها لا تمثل منفعة حقيقية إذا لم يؤخذ في الاعتبار عناصر التكاليف البيئية عند تحديد وتقييم النشاط مما يستلزم تحميل التكاليف والأعباء البيئية على تكلفة الإنتاج. وقد نتج عن الدراسة الميدانية أنه لا يوجد تطبيق فعلي للمحاسبة البيئية أو قياس للتكاليف البيئية وأن النظام الحالي لمحاسبة التكاليف يكتفي بحصر وحساب عناصر التكاليف المرتبطة بنشاط المنشأة دون الأخذ في الاعتبار التكاليف المرتبطة بالبيئة مما يؤثر على النتائج وبيانات التكاليف للنشاط وعلى اتخاذ القرارات. وتبين وجود وعي وإدراك متنامي من قبل المنشآت الصناعية لأهمية المحاسبة البيئية بالإضافة للضغوط المتزايدة من قبل الهيئات والجهات الحكومية من خلال التشريعات والنظم البيئية. ودراسة القطاطي (2007) هدفت إلى استعراض طبيعة التكاليف البيئية ومنافع الإفصاح عن تلك التكاليف وقد تم اختبار الفرضية الرئيسية للبحث والمتعلقة بمدى توفر منافع لدى مستخدمي المعلومات المحاسبية بشأن الإفصاح عن التكاليف البيئية. وخلصت الدراسة إلى ضرورة وأهمية تحقيق متطلبات الإفصاح عن التكاليف البيئية بالنظر لأهمية المنافع الناتجة عنها لدى الشركات الصناعية المساهمة المدرجة في سوق المال الفلسطيني.